الرئيسية / سجال / بلدة عمر.. ونذر شتاء الغضب

بلدة عمر.. ونذر شتاء الغضب

TownHallBAProtest333px

شباب محتج، مقر بلدية مغلق لأيام، طريق وطني مقطوع، استقالات من المجلس البلدي وحالة من الغضب العارم. تلكم هي أجواء بلدة عمر في آخر شهر من عام 2014 هذا، منذ أن تم الإعلان عن قوائم المستفيدين من السكنات الاجتماعية المدعومة، مطلع الأسبوع الثاني من هذا الشهر.

كانت بداية الاحتجاجات قبل أسبوعين عندما استيقظ سكان البلدة يوم الثامن من ديسمبر على قوائم المستفيدين من السكنات الاجتماعية والتي كان قد تم إيداع ملفات الطلبات عليها في شهر ماي الماضي. كانت تجمع الشباب حول مدخل مقر البلدية ومنظر الإطارات المطاطية على الطريق الرئيسي علامتين كافيتين للتدليل على أن البلدة مقبلة على يوم طويل. بحلول مساء ذلك الاثنين كانت كل الأجواء تشي بان سيناريو توزيع السكنات الاجتماعية قبل حوالي عقد من الزمن قد تكرر او يكاد. كان ذلك في 2005 وعرف في الذاكرة المحلية باسم احداث الفلوجة، في إشارة لموجة الاحتجاجات التي أعقبت الافراج عن قوائم المستفيدين من سكنات طعن في نزاهة توزيعها.

صباح الثلاثاء كانت مجموعة من الشباب قد حزمت أمرها وقررت التعبير عن احتجاجها عما أوحى التوجه العام للبلدة به عن رفض للقوائم المفرج عنها. منذ الساعات الأولى للدوام تم غلق بوابة مقر البلدية من طرف الشباب المحتج الذي اخذت اعداده تتزايد. كان غضب الشباب يملأ المكان، وسرعان ما تبلور المطلب الأولي للمحتجين في الغاء القوائم تلك والحوار مباشرة مع رئيس الدائرة. كانت الساعة تشير الى ال 10.17 دقيقة، يقول أحد شهود العيان، عندما حضر رئيس الدائرة مع رئيس المجلس البلدي. “لم يدريا حينها”، يقول محدثنا، بأن مكوثهما (أي المير ورئيس الدائرة) سيدوم الى غاية 23.30 ، أي حتى قدوم قوات الدرك لإنهاء احتجازهما داخل مقر البلدية”.

المعيار الولائي

بدأت حكاية هذه الجولة من جولات التشنج بين المواطنين والإدارة عندما تم الإعلان في شهر ماي الماضي عن برنامج لتوزيع قطع أرضية للبناء بدعم لتكاليف التهيئة من طرف الحكومة. حددت حصة بلدة عمر ب 300 قطعة بناء، و100 قطعة لقوق، وسرعان ما تم إيداع أكثر من 3200 طلب على مستوى بلدة عمر، بحلول 29 ماي آخر أجل لاستلام الملفات. استغرقت دراسة الملفات المودعة خمسة أشهر (من جوان الى أكتوبر) افضت الى اعتماد 1800 ملف، بما فيها طلبات قوق، بعد التصفية الأولية بالتنسيق مع الدائرة. كان على المجلس البلدي بعدها اذن توزيع القطع الأرضية المدعومة السعر، بالتشاور مع جمعيات الأحياء وأعيان العروش، كما حدث في البلدات المجاورة، يقول أحد الشباب المحتجين، “لكن ما تم” يواصل مستنكرا ” هو انه حتى الحصة التي رصدت للبلدة لم يتم توزيعها كاملة وتم توزيع 232 قطعة فقط. ما مصير ال 68 قطعة المتبقية؟”

في المقابل، يقول رئيس المجلس البلدي بأن لجنة دراسة الملفات قد اعتمدت معيارا ولائيا في ترتيب الأولويات ومنح الأراضي. وبالرغم من أصرار اللجنة الممثلة للشباب المحتج على الاطلاع على منشور المعيار الولائي، الا ان طلبهم لم يستجب له. ” لا وجود لأي معيار ولائي. اين المنشور؟ ” يرد أحد الشباب بغضب ويضيف “هي محاولة للتهرب من المسؤولية، وحتى ولو افترضنا وجود هذا المعيار الولائي، وبأنه ملزم، فبما نفسر عدم التزام البلديات المجاورة به، حيث تم توزيع الأراضي بالتشاور مع المجتمع المدني، وتم الامر بسلاسة”

التصعيد

مع فك احتجاز رئيس المجلس البلدي ورئيس الدائرة قبيل منتصف الليل كان واضحا بأن الأمور تتجه نحو التصعيد في اليوم الوالي. ومع ساعات الدوام الأولى ليوم الأربعاء، استمر غلق مقر البلدية من طرف المحتجين فيما توجهت مجموعة ثانية صوب الطريق الوطني الرابط بين تقرت وورقلة / حاسي مسعود. لقد قرر الشباب تصعيد الوضع بقطع الطريق الوطني رقم 3 . كان ذلك إشارة الى طلب تدخل الوالي وإصرار الشباب على مطلب الغاء القوائم المعلن عنها وإعادة دراسة الملفات بالتنسيق مع المجتمع المدني.

RN3Blocked2

لا ندري بعد ما الذي دار في الكواليس، ولكن كان جليا بأن اغلاق الطريق الوطني رقم 3، وهو شريان حيوي لحاسي مسعود وورقلة، بالإضافة الى التوقيت في أعقاب أحداث ذراع البارود التراجيدية وعودة الاحتجاجات بحاسي مسعود وورقلة كلها عوامل كافية لجعل كل الهواتف الحمراء ترن في الولاية والعاصمة. ومع عصر الأربعاء توجه رئيس المجلس البلدي للشباب المرابط بالطريق الوطني وأبلغهم بقرار الغاء القوائم المطعون في شفافيتها.

أول اجتماع للمجلس البلدي بكامل أعضائه؟

قد يستغرب القارئ الأمر، لكن يبدو أن احتجاجات الشباب تلك قد أجبرت أعضاء المجلس البلدي ال 15 الاجتماع بكل أعضاءه لأول مرة منذ اجتماع التنصيب الذي أعقب انتخابه. ولأن الوضع استثنائي فقد فرض الشباب المحتج أن يكون ذلك الاجتماع خارج مقر البلدية التي تواصل غلقها لليوم الثالث. وهكذا فقد عقد الاجتماع الاستثنائي للمجلس البلدي بالمطعم المدرسي لابتدائية البشير الابراهيمي. كانت الساعة تشير الى حوالي الرابعة عصرا عندما توجه أعضاء المجلس للشباب المتجمهر أمام مقر البلدية، حيث أبلغوهم بأن المجلس سيلتمس من والي الولاية الغاء القائمة. وبالمقابل يتعين فك الحصار على مقر البلدية وانهاء الإجراءات التصعيدية الأخرى. كان رد المحتجين هو الحصول على نسخة مكتوبة من قرار الغاء القائمة.

كانت الساعة تشير الى حوالي الثامنة ليلا يوم الخميس حين تفرق الجمعان. كانت جولة أولى حافظ فيها الشباب على الاحتجاج بطريقة سلمية، ولكن بوتيرة ضغط مستمرة ومتناسبة مع تقدم المفاوضات المباشرة والغير مباشرة. كانت الجمعة استراحة محارب على ما يبدو، ففي يوم السبت عقد اجتماعا استثنائيا ثانيا، بحسب الإعلان المنشور يوم الاحد 14 ديسمبر، اين يبدو أنه تقرر الغاء القائمة وتشكيل لجنة جديدة لإعادة دراسة ملفات المواطنين.

أربعة أيام من الاحتجاج والتصعيد السلميين كانت كفيلة بأن يتحرك نواب الولاية في المجلس الوطني من أجل لملمة الوضع قبل أن ينفجر في سياق جهوي مضطرب ومشحون. اذ انه في يوم السبت نفسه كان النائب البرلماني لطفي خير الله قد حل بالبلدة حيث التقى ظهرا مع ممثلين عن الشباب المحتج من أجل نقل مطالبهم الى السلطات المعنية.

اعلان الغاء القائمة واستقالات

مع حلول صباح يوم الاحد 14 ديسمبر تم الإعلان الرسمي عن الغاء القوائم المطعون في شفافيتها، وتم الإعلان عن تشكيل لجنة مصغرة مهمتها إعادة دراسة الطلبات على ال 300 قطعة أرض وفق معايير جديدة بالتشاور مع المجتمع المدني. أفاد الإعلان بأن اللجنة المصغرة ستشكل من مكتب المجلس البلدي (الرئيس ونوابه) وعضوين من المجلس. لم تنته متاعب المجلس بعد، اذ أنه وحتى قبل أن ينتشر الخبر في ارجاء البلدة حتى تواترت اخبار استقالات في صفوف المجلس البلدي، بما فيه من عينوا في اللجنة المصغرة. ومع استمرار الجو المشحون وتشنج الوضع حل بالبلدة النائب البرلماني محمد الداوي يوم الجمعة 19 ديسمبر، والتقى بدوره مع المجموعة الممثلة للشباب المحتج من أجل نقل انشغالات شباب بلدة عمر للوالي. وقد تعهد النائب بتنظيم لقاء لهم مع والي ورقلة في غضون الأسبوع المقبل.

ملف الفلاحة يطفو الى السطح

وكأن ملف السكن الاجتماعي لم يكن كافيا، ففي خضم هذا الجو المشحون والمتوتر في أحياء ببلدة عمر، بدأ الشباب يتداول قائمة لاستفادات من هكتارات فلاحية، يبدو أنه قد تم توزيعها قبل بضع سنوات، ويتم التحضير لترسيم عقود ملكيتها هذه الأيام. وسرعان ما تم تداول تلك القائمة في أوساط الشباب وشبكات التواصل الاجتماعي وخاصة الفايسبوك، ذلك أن الأسماء الواردة في القائمة تلك، لو تأكدت، فهي لدليل أخر على مدى التسيب، والاستهزاء بخدمة المواطن واللاعدالة، وحتى الفساد الذي أفرز مثل تلك القائمة. أضافت قائمة الأراضي الفلاحية عاملا مؤججا جديدا لغضب الشباب، وزادت من احتقان الوضع. وبالرغم من ان المجلس الحالي ليس مسؤولا عن تلك القائمة المتداولة نهاية هذا الأسبوع، الا أن الشباب الغاضب يتوجه بأصابع الاتهام لمصلحة الفلاحة بالبلدية والتي يعتبرها ضالعة في تلك التجاوزات.

ثلاثون عاما.. في انتظار نتائج اللقاء مع الوالي

يتجه اليوم السبت 27 ديسمبر مجموعة من الشباب من بلدة عمر وقوق للقاء والي ورقلة من أجل تدارس الازمة الحالية وسبل الخروج منها. يأتي هذا اللقاء في جو مشحون ومترقب لما سوف يسفر عنه الاجتماع بالولاية. هذه ليست اول مرة يتم فيها ايفاد أو طلب ايفاد وفد يمثل البلدة في حالات الأزمات، ولاتزال تراجيديا صائفة 2012 عالقة بالأذهان. انه لمن ابجديات التفاوض أن قوة الوفد المفاوض لا تكمن فقط في قوة حجته وحنكة أعضائه، وتمرسهم، ووحدة هدفهم، ولكن أيضا في صلابة الجبهة الخلفية الداعمة لهم أثناء التفاوض، من خلال الضغط والتعبئة والتوعية. تصادف هذه السنة الذكرى الثلاثون لتصنيف بلدة عمر كبلدية إثر التقسيم الإداري لسنة 1984. أيا تكن نتيجة اللقاء مع الوالي اليوم، وأيا يكن مآل هذه الأزمة فان على شباب بلدة عمر أن يتوقف وأن يفكر بعمق في بلورة طاقات وكفاءات تأخذ على عاتقها تجسيد آمال وأحلام هذه البلدة، وتنهي هذا العبث.

وللحديث بقية.

محمد الأخضر غطاس

Comments

التعليقات

شاهد أيضاً

غياب المرافق الترفيهية من أسباب استفحال الآفات الاجتماعية

جرى حوار بإحدى Comments التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.