الرئيسية / سجال / ماذا يعني أن تنتمي إلى بلدة عمر؟

ماذا يعني أن تنتمي إلى بلدة عمر؟

P1150222

 شهدت بلدة عمر زوال يوم الثلاثاء 11 مارس 2014 يوما استثنائيا سعيدا، أعاد الله علينا الأيام السعيدة مرات عديدة، نعم لقد كان يوم سعيد وكيف لا وقد عاد السجناء الثلاثة إلى أهاليهم وسط استقبال جماهيري مهيب، حتى ولكأني بطوفان الفرحة يتدفق في بيوت البلدة وشوارعها وسيلان السرور يجتاح أرجاء البلاد وأرجاء أرجائها. لقد عاش التلعمريون جوا من البهجة والغبطة والسعادة، ولبست البلدة حلة زاهية من ألوان الفرح والسرور. تجلت مظاهرها في محيا الرجال والنساء والأطفال، بل وكأني بالشجر والحجر يفرح لفرحنا وكيف لا وقد بدا لنا أن الصبح انبلج بعد ليل بهيم. ولا أدرى هل انبلج الصبح فعلا أيها السادة؟

بعد زوال ذلكم الثلاثاء إذن تعالت الأهازيج وصاحت النساء بالزغاريد وتواصلت مزامير السيارات وقرعت الطبول ورقصت الخيول ودوى البارود سماء البلدة واجتمعت البلدة كلها على قلب رجل واحد ولا صوت يعلو فوق صوت الفرحة بإطلاق سراح السجناء.إن مظهر اجتماع أهل البلدة ذلك اليوم وكأنه فتحت لنا نافذة على التاريخ لنستلهم من أجدادنا مظهر من مظاهر المحبة بينهم ولون من ألوان المودة والتواصل عندهم. الحقيقة أقول أن ما عشناه ذلك المساء من مشاعر الانتماء انه لشعور آسر لا يفصح عن كنهه الا في مناسبات كهذه، يميز فيها الخبيث من الطيب والغث من السمين والصادق من الكذوب، لينبعث بذلك طيف ينير لنا طريق المستقبل.

هل تصدقون أنه تمنيت لو انه يسجن بعض أبناءنا حتى نجتمع كما اجتمعنا ذلك اليوم، وحتى يشعر أحدنا بالآخر وحتى يتآزر أحدنا مع أخاه. لقد غمرتنا البهجة لخروج أبنائنا من السجن ذلك اليوم، أيها السادة وبعد أن ذهبت سكرة الفرح ونشوته جاءت الفكرة فهل من عبرة نستخلصها من هكذا موقف؟ أيها السادة دعوني أذكركم بأن هذه البلاد ضربت أروع الأمثلة في التآزر والتعاون والتعاضد والتكافل لا بل والإيثار، ولكن اليوم للأسف الشديد فقد انفرط عقدها وتشتت شملها وانصرمت أواصرها.

أيها السادة، جميعنا هرول لاستقبال الإخوة السجناء في مفترق الطرق عند وصولهم وجميعنا هنأ وبارك لهم ولذويهم. وجميعنا قبل عام ونصف أيضا ملأته الكآبة والغيظ والحنق عندما سجنوا، وبصرف النظر عن براءتهم من عدمها وعدالة القضية التي نومن بها جميعا. هي ذي مناسبة سانحة للتوقف والنقد البناء والنصح الصادق، وارجوا أن يتسع صدركم. أيها السادة، كم من السجناء يجب علينا إخراجهم من سجنهم وهم يعيشون بين ظهرانينا؟

هلا تجندنا كما تجندنا ذلك الثلاثاء لمجابهة خطورة سجناء المخدرات والأقراص المهلوسة وشتى أنواع المسكرات التي لا شك أنها مظهر من مظاهر إفناء الذات، لشباب في عمر الزهور يتزايد عددهم يوميا في غفلة عجيبة من المجتمع؟ والغريب في الأمر أن المجرم الذي يبيع هذه السموم يعرفه القاصي والداني ولم يتجند هذا المجتمع لوضع حد لهذا الاستعباد لا بل ترى البعض من البلدة يهرول إلى ذلك المجرم مخاطبا إياه بسي فلان. أليس الساكت عن الحق شيطان أخرس؟ إن شبابنا يئن تحت وطأة الألم والضياع دون مبالاة من المجتمع، وإن شبابنا يرزح اليوم تحت مظاهر شتى للاستعباد والاسترقاق في شكله الجديد.

هل تنبهنا لسجناء الفكر بشتى أشكاله سواء تعلق الأمر بالمتفيقهين أو المتطرفين؟ كم من أناس للأسف ظنوا أنفسهم علماء، ولا هم بالعلماء ولا هم بالمتعلمين؟ صحيح أنهم ينجحون في دغدغة عواطف البسطاء، ولكن من علامات جهلهم أنهم لم يدركوا خطورة العواقب فيما يفعلون ويقولون. والبعض الآخر ظن أنهم وحدهم على النهج الصحيح وغيرهم لا، ولا يقبلون المناقشة ومرجعيتهم دائما من خارج الحدود. فهؤلاء وهؤلاء نكلهم إلى ضمائرهم فليتقوا الله إن العمر قصير. والبعض الآخر يحلوا له أن يعيش في أوهام لا يريد أن يستفيق منها فتجده يردد في كل شاردة وواردة بأن بلدة عمر بلدة العلماء والصالحين. بربكم قولوا لي أين هم العلماء وأين هم الصالحون، حين فقدنا اثنين من أعز شبابنا في الشهر الفضيل وزج بأبنائنا في غياهب السجون وحوصرت البلدة حتى تخفى بعض الذكور في ثياب النساء؟

هل تنبها لسجناء المرض المحبوسون في ديارهم قسرا بسبب الألم وقلة الحاجة، أو بسبب الأمراض المزمنة التي غيبتهم عن المشهد التلعمري؟ هم لا يحتاجون منا إلى مال بقدر ما يحتاجون إلى التفاتة، وإلى ابتسامة، وإلى زيارة. هل تنبهنا لسجناء العوز الذين تحسبهم أغنياء من التعفف، تنازلوا عن ضرورات كثيرة في الحياة، بسبب قلة المال والحيلة؟ هل تنبهنا لسجناء البراغماتية والانتهازية والأنانية والفردية الذين حولوا جوهر الحياة الهنيئة إلى التنافس المحموم والهوس المسعور في جمع المادة والمادة وحدها بجميع أشكالها سواء كانت أموالا أو عقارات أو عربات الخ؟ وان كان السعي وراء المال ليس عيبا في حد ذاته بل من الواجب تنمية المجتمعات بالمال أيضا، ولكن أن يسكن جمع المال قلوب الناس وأفئدتها ويصبح شغلها الشاغل فذلك أمر يجانب الصواب.  والأغرب أن بعضهم يتوهمون أن رصيد المال هو الذي يجعلهم أعيان البلاد وصفوتها.

 لا أيها السادة، إن العين في المجتمع هو الذي ينفق آناء الليل وأطراف النهار لنهضة وتنمية المجتمع إنفاقا ماديا ومعنويا، ولا تعرف يمناه ما أنفقت شماله. هل لاحظتم أيها السادة بأن بلدة مجتمعة لم تستطع شراء سيارة إسعاف؟ أعلم إن الحجج كثيرة والمبررات أكثر ولكن النتيجة النهائية أنه لم تشتر السيارة. فعن أي علم وكرم وصلاح نصف أنفسنا به أيها السادة؟ اسمحوا لي بالقول بأن واقع بلدتنا لا يصدق ما ندعيه من وصف لمآثرنا. إن الفرحة الحقيقية هي عندما يشهد مجتمع بلدة عمر الانعتاق من كل هذه الأمراض الاجتماعية والقلبية. حينها فقط نقول هنيئا لبلدة عمر خروجها من ظلمة السجن القاتمة. فما رأيكم؟

د. الأخضر مرابط

Comments

التعليقات

شاهد أيضاً

غياب المرافق الترفيهية من أسباب استفحال الآفات الاجتماعية

جرى حوار بإحدى Comments التعليقات

2 تعليقان

  1. الله يبارك مازال كاين الخير

  2. لو أردنا أن نُعرف الانتماء في كلمة فلن تكون إلا الهوية ، فإذا قلت أني تلعمري الهوية فالمعنى أنني أنتمي إلى بلدة عمر وأشارك المنتمين إليها في الدين واللغة و الجغرافيا والثقافة والعادات والتقاليد….. لنكون بذلك مسلمين ، عرباً نتخد من الشلحية لهجةً ونستوطن أرض بلدة عُمر ونستمد من ماضينا ثقافتنا…………بيد أن كل هذا يبقى شعاراً مالم نصنع منه واقعاً نؤثر به ونتأثر . فلسنا بالتلعمريين المسلمين تمام الإسلام إن لم نُساعد المحتاجين ونمد يد العون للمظلومين و نرحم الصغير ونوقر الكبير ونعطي لعالمنا حقه ولجيراننا حُسن الجيرة ونبسط أيدينا بالعطاء في سُبل الخير ونأمر بالمعروف وننهى عن المنكر ….لسنا بالمسلمين حقاً إن لم نفعل كل ذلك ، وليس الإعتزاز بالانتماء فخراً بالكلام بل هو البصمة على الأرض والتصديقُ بالعمل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.