الرئيسية / امزداغ / لماذا تعجز بلدة عمر عن شراء سيارة إسعاف؟ (1)

لماذا تعجز بلدة عمر عن شراء سيارة إسعاف؟ (1)

Mosque Minaret

لماذا تعجز بلدة عمر عن تجسيد هذا المشروع هي التي اشتهرت في منطقة واد ريغ وعلى مر العقود بروحها التضامنية في شتى المجالات؟ قد يعزو البعض الأمر لى أسباب عدة؛ فهنالك من يرده الى تراجع روح التضامن الجماعية تلك. وفريق آخر يعزوه لقلة الإمكانيات المادية لسكان البلدة. فريق ثالث يرى بأن العناية الصحية أمر تناط به السلطات الرسمية وليس من شأن المواطنين اقتناء سيارة اسعاف. فيما يرى آخرون بأن السبب كله أو جله يعود الى ضعف فاعلية جمعيات العروش التي كان معولا عليها تجسيد ذلك المشروع التضامني.

أيا تكن الإجابة، يبقى السؤال ماثلا ومستفزا.. لماذا تعجز بلدة عمر عن اشتراء سيارة اسعاف؟

تتوجه بالسؤال لكبار القوم فيشيرون الى أمجاد اجيالهم التي ضربت امثلة خالدة في التضامن وتغليب المصلحة العامة. يشيرون الى ملحمة تجفيف مياه سبخة بلدة عمر في سبعينيات القرن الماضي كي تتمكن سونلغاز من مد شبكة الكهرباء الى بلدة عمر. ثم يشيرون الى صومعة الجامع العتيق ويروون عليك قصة تشييدها بوسائل محلية بعد ان تعذر عليهم اقتناء الوسائل اللازمة من تقرت، في بدايات القرن الماضي.

الصومعة والكهرباء انجازان شكلا على امتداد العقود الماضية مفخرة بلدة عمر وشواهد راسخة لروح التضامن الجماعي لسكانها
.

فما الذي تغير؟ ويصر السؤال المستفز على طرح نفسه. لماذا تعجز بلدة عمر عن شراء سيارة اسعاف؟

أكثرنا تفاؤلا ينظر الى الجانب الإيجابي للموضوع ويتكلم عن جمع أكثر من 160 مليون سنتيم، كما هو متداول. أكثر الشباب اندفاعا وحماسا يستصغر ما تحقق وهو يرى شوارع البلدة مكتظة بمركبات يعادل ثمنها أكثر من سيارة اسعاف بتجهيزاتها الضرورية.

وفيما يضع البعض اللوم على ضعف فعالية جمعيات العروش التي اوكل لها أمر تدبير مبلغ مساهمة كل جمعية عرش في المشروع، يرى بعض المتابعين للموضوع بأن الحصص لم تكن متناسبة مع الكتلة السكانية لكل عرش. كان أحرى أن يجتمع كبار القوم ويقرروا أن يتدبر أمر مبلغ السيارة كيفما اتفق في غضون شهر وينتهي الأمر. انه لمن دواعي الدهشة أن تخصص حصة العروش الوازنة سكانيا ب 10 أو 15 مليون.. أي ما يعادل ثمن دراجة نارية او اثنتين من النوع الدي تكتظ به شوارع البلدة. أين أصحاب الأموال ببلدة عمر يتسائل بعض الشباب؟

بعيدا عن التفاصيل وعن الأسباب والتبريرات، ما يهم اليوم هو طرح موضوع جمعيات العروش ودورها الذى أنشأت من أجله، ومدى مواكبتها للتغيرات الاجتماعية، وأقلمة بناها وهياكلها وأنماط تسييرها ووسائل عملها مع متطلبات التضامن الجماعي على مستوى العرش أو البلدة. يرى البعض بأن الحديث عن تنظيمات عروشية هو تكريس للفكرة القبلية والتي لا تتماشى مع مفهوم الدولة الحديثة والتي قوامها المواطنة وتساوى الفراد في الحقوق والواجبات. فبحسبهم العروشية فكرة ترقى للعنصرية والى حالة ما قبل الدولة الحديثة. ذلك نقاش قد يطول، ليس هنا مجاله. أضف الى ذلك أن حتى فكرة المجتمع المدني (أو الأهلي) وعند بروزها في سياقها الغربي جوبهت بانتقادات عدة وحوربت في دول غربية عديدة حتى آلت الى ما افتكته من دور الآن، وعموما، فأيا يكن السياق الثقافي شرقيا أو غربيا أو افريقيا أو لاتينيا فان المجموعات السكانية تنكفي لانتماءاتها المحلية والخصوصية كلما تراجعت الدولة في تأمين الخدمات المنوطة بها تجاه مواطنيها.[1]

وعودة لواقع بلدتنا، لماذا انحسر دور جمعيات العروش الى تأمين خدمات الافراح والمآتم، وفي أحسن الأحوال جوائز للمتفوقين والناجحين في الباكالوريا؟ في تقديري ان ذلك نتيجة طبيعية لتفكك المنظومة الأهلية المحلية حيث جمعيات العروش ما هي الا مكون من مكوناتها وليست المنظومة بحد داتها أو كلها. بمعنى آخر ان جمعيات العروش كانت فقط جزءا من مظومة متكاملة ولم تقتصر عليها فقط. مع مرور الزمن وبفعل عوامل متعددة اختفت أو غيبت أهم العناصر المحركة للمنظومة المحلية، وبالتالي لم يعد ممكنا لجمعيات العروش أن تنخرط في العمل التضامني المحلي بنفس النجاعة والزخم الذي كانت عليهما في السابق.

لقد كان لمجموعة أصحاب العشرة دورا مركزيا في تنظيم كل مناحي الحياة المحلية من علاقات اجتماعية، وقضاء، وتحكيم، واستشارة، وعلاقات جواريه وخارجية للبلدة. فأصحاب العشرة بذلك مثلوا السلطة التشريعية والقضائية. ولقد مثلت جمعيات العروش دور مجالس تمثيلية وتنفيذية في آن واحد.

لا شكن بأن التمسك بجمعيات العروش لأمر إيجابي. ولكن في ظل غياب قاطرتها الموجهة (أصحاب العشرة) فانه لمن الطبيعي أن يتراجع دورها الى خدمات الافراح والقراح. لن اتحدث هنا عن محاولات تعويضها بمجموعة الأعيان اذ ان الحسابات السياسية الجهوية والوطنية قد وأدتها قبل أن تتجسد في الميدان.

كيف السبيل اذن الى إعادة بعث روح التضامن الجماعي المحلي من خلال آلية جمعيات العروش؟ هذه ليست أول مرة يطرح فيها مثل هذا الانشغال. فلقد كانت بالفعل محاولات جادة في بعض الجمعيات في أواخر تسعينيات القرن الماضي لإعادة تفعيل دور جمعيات بعض العروش. ولقد نجحت بالفعل بعض الجمعيات العروشية من استقطاب شباب العرش اليها، ولكن ولأسباب موضوعية أساسا لم تكلل جهود الإصلاح تلك بكل النجاح. فسرعان ما انحسر دور الجمعيات الى جمع اشتراكات واجتماع أو اثنين جامعين سنويا، ونشاط خدمي في مواسم الافراح ونوازل الاقراح. ومع ذلك يحفظ دورهم الإصلاحي ذلك. كانت أخر مرة سمعنا فيها عن اجتماعات عروشية هامة، كان عقب تراجيديا صيف رمضان 2012 وما أعقبها من صراع عروشي على انتخابات مقاعد المجلس البلدى.[2]

ان جمعيات العروش ببلدة عمر بحاجة الى موجة اصلاح جديدة، من أجل تكييف بناها وهياكلها وأنماط تسييرها ومجالات اشتغالها ووسائلها مع المتطلبات الراهنة للمجتمع التلعمري. ذلك ما سنقدم فيه مقترحا في الجزء الثاني من هذا النقاش. و بانتظار ذلك يبقى السؤال المستفز ماثلا.. لماذا تعجز بلدة عمر عن شراء سيارة اسعاف؟

استطلاع رأي على هذا الرابط

لماذا تعجز بلدة عمر عن شراء سيارة إسعاف؟

  • لتراجع روح التضامن الجماعي. (63%, 17 الاصوات)
  • لأن المشروع مسؤولية السلطات وليس السكان. (22%, 6 الاصوات)
  • لقلة الموارد المادية لسكان البلدة. (7%, 2 الاصوات)
  • لضعف فعالية جمعيات العروش. (7%, 2 الاصوات)

مجموع المصوتين: 27

جاري التحميل ... جاري التحميل ...

 

 

[1] للتوسع أكثر حول المجتمع المدني وسياقاته الثقافية والوظيفية راجع مثلا عزمي بشارة، المجتمع المدني دراسة نقدية ، (بيروت: المركز العربي للأبحاث ودراسةالسياسات، 2012).

[2]راجع مقالنا حسابات الربح والخسارة والدروس المستفادة https://www.blidetamor.com/?p=320

محمد الأخضر غطاس

 

Comments

التعليقات

عن admin

شاهد أيضاً

تطبيق امزداغ أجهزة اندرويد الهاتفية واللوحية

يمكنكم الآن Comments التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.